قديما كانت كرة القدم عبارة عن 11 لاعبا ضد 11 يركضون خلف الكرة ويحاولون
تسجيل أكبر قدر من الأهداف، فقط هذا كل شيء ؟ مجرد لعبة بسيطة وبدون أي تعقيدات أو
مشاكل.
و مع مرور الوقت. جاءت تكتيكات وأساليب لعب غيرت صورة كرة القدم، وجعلتها لعبة أكثر تعقيدا،
الأمر الذي أدى إلى ظهور العديد من التسميات والجزئيات التي أوقعت البعض في متاهة سوء
الفهم، ولعل أبرز الأخطاء الشائعة في كرة القدم الحديثة ، تلك التي تتعلق بمصطلحي المهاجم
ورأس الحربة .
من الشائع القول إن المهاجم الصريح
أو رأس الحربة هو ذلك اللاعب الذي يتواجد في مقدمة الفريق ( المتمركز في منطقة جزاء)،
حيث يكون التركيز منصبا طوال مجريات المباراة على إيصال الكرة إليه، بحيث تكون أدواره
الرئيسية مقتصرة على إدخال الكرة إلى شباك الخصم، أو على الأقل أن تكون له بصمة في
معظم الأهداف، حتى لو فرضت عليه رقابة لصيقة من الخصم، وهو ما يحتم عليه أن يكون بمواصفات
معينة تساعده في إحداث التغيير على أرض الملعب وكذا تنفيذ أفكار المدرب.
كرة القدم الحديثة في الحقيقة، تفتقر بشدة للمهاجم الهداف الذي يقف داخل منطقة الجزاء
لكي يحصل على الكرة ويسجل هدفا، أي أن المهاجم الصريح أو رأس الحربة صار من أساطير
جيل الألفية السابقة، لم يعد هناك "جيرد موللر" في ألمانيا، أو "جاري لينكر" في إنجلترا،
وحتى "فيليبو انزاجي" مع ايطاليا و"فان نيستلروي" رفقة الطواحين الهولندية. لقد اختفى مهاجم المربع الأخضر بعيدا عن الأضواء ولم نعد نشاهد
لاعبين من طينة هؤلاء، انقرض تماما مفهوم اللاعب الذي يسجل أهدافا فقط. وحل محله المهاجم المتحرك، أي اللاعب الذي يبدأ المباراة كرأس
حربة على الورق، لكنه على أرض الواقع تجده يتحرك للأروقة ويعود للوسط لاستلام وتسليم
الكرة، كما أنه لا يقوم بالضغط على مدافعي الخصم، بالإضافة إلى أنه يفتح المساحات لزملائه
في الخط الهجومي. والمقصود هنا هو نجم
ريال مدريد كريم بنزيما والمهاجمين الذين على شاكلته .
جل الفرق الأوروبية الكبيرة هيمن عليها اعتماد أسلوب المهاجم
المتحرك منذ فترة ليست ببعيدة، ليفاندوفسكي، أجويرو، هاري كين، لويس سواريز وكريم بنزيما. كلهم لاعبون لا يتقوقعون في منطقة الجزاء على طول الخط، بل
تجدهم غالبا في الأطراف ويشكلون وسيلة ضغط على عمق دفاع الخصم، مما يصعب تنظيم الهجمة
من المناطق الخلفية للمنافس، كما أنهم يزيدون من سرعة الهجمات المرتدة، ويلعبون دورا
أساسيا في الكرات العرضية.
كل هذا أدى إلى ظهور نوع آخر من المهاجمين. وهو المهاجم "الشبح" الذي يمكن تعريفه بأنه مركز
تكتيكي يمزج بين المهاجم الصريح وصانع الألعاب، فلا هو مهاجم رأس حربة يسجل الأهداف
بكثرة ولا هو صانع الألعاب الذي يصنع أغلب أهداف فريقه.
اعتماد أسلوب المهاجم الشبح هي فكرة ينخدع
لها المدافعين، حيث يظهر نظريا أن الفريق الذي يطبقها يلعب بدون رأس حربة، لكن في الواقع
يوجد لاعب يلعب في مركز المهاجم. لكن ليس بشكل صريح ومن
هنا جاءت تسمية ” المهاجم الشبح ”. ويجب على اللاعب الذي يقوم بهذا الدور أن يكون سريعا،
يملك ردة فعل عالي ، يستطيع عبور المدافعين، يصنع الفرص، يسحب المدافعين ويخلق المساحات،
ويمكن أن نتذكر كيف برع ليونيل ميسي في تجسيد هذا الدور مع جوارديولا.
لنتحدث عن النوع الآخر، وهو المهاجم الذي يتمركز
على الأروقة، والذي يسمى بلاعب الجناح الهجومي، وهو اللاعب الذي يتمركز على خط التماس
ويتولى مهمة إرسال العرضيات إلى داخل منطقة الجزاء، كما أنه يتسلل من الطرف نحو العمق
لخلق الزيادة العددية، ولخلخلة الدفاعات المتكدسة.
وللختم، يصح
القول أن مصطلح "المهاجم" يعتبر وصف شامل لمختلف المراكز الأمامية القريبة
من مرمى الخصم، ومن ضمنها رأس الحربة أو المهاجم المتحرك، وقد تتعدد أدوار هؤلاء المهاجمين
بحسب تكتيكات المدربين ووفقا لأسلوب الفريق ( الأفكار : الضغط العالي والضغط العكسي
الخ .. الأسلوب : أسلوب هجومي، أسلوب دفاعي، استحواذ، ارتداد الخ )، لذلك شاهدنا
تطور مراكز الهجوم مع تطور الأفكار والأساليب، بالانتقال من المهاجم الهداف فقط إلى
الرقم 9 الوهمي مرورا بأشكال وسمات مختلفة لأصحاب الحس التهديفي الراقي .
تحليل أكاديمي علمي دقيق
RépondreSupprimer